تحدث مندوب سوريا الدائم في مجلس الامن بشار الجعفري لـ”راي اليوم” عن كواليس الاجتماعات في مجلس الأمن قبيل صدور القرار الدولي 2401 الخاص بالوضع بالغوطة الشرقية لدمشق وقال الجعفري “لمعرفة كواليس المفاوضات خلال ساعات التأجيل، لا بد من معرفة كيف تطور نص مشروع القرار الذي بدأ التفاوض عليه منذ حوالي العشرة أيام:
اوضح مندوب سوريا ان طلب النص الأصلي لمشروع القرار بأن تلتزم جميع أطراف النزاع السوري فوراً “بهدنة” إنسانية ووقف للعنف في جميع أنحاء سوريا، لمدة 30 يوماً متتالية تبدأ بعد 72 ساعة من اعتماد القرار. ولم يُشر نص المشروع في مسودته الأولى، في أي من فقراته، إلى استثناء داعش والنصرة والمجموعات المرتبطة بهما من وقف الأعمال العسكرية.
واضاف الجعفري حول النص الاصلي الذي تقدمت به الكويت والسويد “أن النص لم يُشر أبداً الى ما تقوم به المجموعات الإرهابية المسلحة من قصف متعمد للمدنيين في مدينة دمشق. ولذلك بدا واضحاً، منذ البداية، أن هدفه هو تشويه صورة الحكومة السورية، واظهارها بمظهر من يستهدف المدنيين من مواطنيها، وعرقلة العمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش السوري بدعم من حلفائه لمواجهة الإرهاب، وإعطاء الفرصة للمجموعات الإرهابية لإعادة امدادها بالسلاح والعتاد والأفراد كي يستمر مسلسل الضغط المستمر على الحكومة والجيش في سوريا، لا سيما مع تزامن كل هذا وذاك مع الحديث المكثف مجدداً عن استخدام الأسلحة الكيميائية. ناهيك عن هدف مُبيت قديم يتمثل بانهاء مسار أستانا (عبر تقويض الإنجاز الذي تحقق فيه، ألا وهو انشاء مناطق منخفضة التوتر) ونقل موضوع وقف الأعمال العدائية الى مجلس الأمن. “
وتابع الجعفري في حديثه لـ “رأي اليوم” قائلا “لم يُشر النص الأصلي الى مسؤولية الدول والأطراف التي تدعم المجموعات الإرهابية المسلحة لممارسة نفوذها على هذه المجموعات كي توقف جرائمها بحق المدنيين، وضمان التزامها بوقف الأعمال العدائية، وتقديم ضمانات ذات صلة من تلك الدول، ولم يأخذوا في الاعتبار أن الجيش السوري قد خصص ممر آمن لخروج المدنيين. وكان هناك دعوة من الحكومة السورية إلى إلقاء السلاح والتوقف عن ممارسة الإرهاب من داخل المناطق والأحياء السكنية، والانخراط في مبادرات المصالحة الوطنية.
لكن من قدموا المشروع تجاهلوا هذه الامور وكان الهدف من تجاهل ذلك حسب ما قال الجعفري، اعطاء الانطباع بأنه لا توجد مجموعات إرهابية تقتل المدنيين، وانما فقط “معارضة سورية معتدلة” تدافع عن نفسها ضد “انتهاكات الجيش العربي السوري لاتفاق انشاء منطقة للتوتر في الغوطة”… .
وأكد الجعفري انه وفقا لهذه المعطيات بدأت مفاوضات على تغيير صيغة النص الأصلي لم تقتصر فقط على الساعات التي سبقت تأجيل موعد جلسة التصويت، بل كانت هناك مفاوضات ماراثونية وعلى مدار الساعة لعدة أيام، اذ تمثل الموقف الغربي بالمحافظة على النص الأصلي كما هو، في حين عمل وفد الاتحاد الروسي وبعض الوفود المؤيدة لموقفه (ومنها بطبيعة الحال وفد الجمهورية العربية السورية) على ادخال تعديلات على النص بحيث يعكس حقيقة ما يجري على الأرض السورية. وكان هناك موقف جديد داخل مجلس الأمن تجلى بمحاولة الدول العشرة غير الدائمة في مجلس الأمن السعي لتقديم لغات توفيقية وذلك لجسر هوة الخلاف بين الأعضاء الخمس الدائمين
واوضح مندوب سوريا في مجلس الامن انه ومع الموعد المقترح للجلسة في يوم الجمعة، كانت الدبلوماسية الروسية قد نجحت في ادخال العديد من التعديلات الجوهرية على مشروع القرار، تُغطي الى حد ما المشاغل السورية والروسية، لا سيما في مضمار إضافة “استثناء المجموعات الإرهابية المتمثلة بداعش والنصرة والتنظيمات الإرهابية المرتبطة بهما من وقف الأعمال العدائية”، وكذلك في “عدم تقييد الجيش السوري بموعد محدد لبدء ما يسمى بـ “الهدنة””، حيث تم شطب الاشارة الى أن “الهدنة” ستبدأ بعد 72 ساعة من اعتماد القرار وتم استبدالها بعبارة “فورا”، هذا إضافة الى النجاح في الإشارة الى “استهداف مدينة دمشق، وكذلك تقديم ضمانات من الدول المؤثرة على المجموعات الإرهابية.”
واضاف الجعفري “مثل الموقف الروسي في اليوم المحدد للتصويت (الجمعة 23 شباط) على مشروع القرار بالتأكيد على أن وقف الأعمال العدائية لا يمكن أن يتم فرضه بقرار من مجلس الأمن، وأنه يجب لتحقيق هذا الأمر أن تنخرط الأطراف الفاعلة في مناقشة هذا الأمر، ناهيك عن عدم الواقعية في استخدام كلمتي “يُقرر” وكلمة “فوراً” في معرض الحديث عن وقف الأعمال القتالية. وعلى الرغم من الضغوط الكبيرة التي مورست على الوفد الروسي، والتي لم تقتصر فقط على الوفد في نيويورك، بل وصلت الى توجيه رسالة من ماكرون وميركل الى الرئيس بوتين يحثانه بها على تسهيل اعتماد القرار، الا أن الجانب الروسي أصر على موقفه. فاقترحت الدول الغربية استبدال كلمة “يُقرر” بكلمة “يُطالب” وكلمة “فوراً” بكلمة “دون تأخير”، وعلى الرغم من أن الدول الغربية قد اعتبرت أنها قد قدمت تنازلات كبيرة لوفد الاتحاد الروسي، الا أن هذا الموقف لم يتغير طوال يوم الجمعة على الرغم من الاتصالات التي جرت على أعلى المستويات بين العواصم، حيث تم التأكيد مجدداً من قبل الاتحاد الروسي على عدم واقعية فرض هدنة من قبل مجلس الأمن دون انخراط الأطراف بها من أجل تنفيذها، وكان الجواب الروسي واضحاً، اما أن تتم تلبية مشاغله أو رفض مشروع القرار حتى ولو أصر الغربيون على التصويت، أي التهديد باستخدام امتياز الفيتو”.
وتابع الجعفري “وفي محاولة من الدول العشر غير الدائمة لإيجاد حول توفيقي وعدم استفزاز الفيتو الروسي، اقترحت إعطاء المزيد من الوقت للأطراف للتشاور، على أن يجتمع مجلس الأمن يوم السبت الساعة 12.00 للتصويت على مشروع القرار وهكذا حسب الجعفري استمرت المشاورات بين الوفد الروسي والوفد الفرنسي بشكل أساسي طوال صباح يوم السبت، وترافقت باتصالات عديدة بين المندوبين الدائمين ووزراء خارجيتهم، حيث أصر الوفد الروسي على موقفه الذي عبّر عنه يوم الجمعة”.
واضاف مندوب سوريا في حديثه لـ”راي اليوم” “اتفقت الوفود المعنية بحلول الساعة الثانية من بعد ظهر يوم السبت على صيغة توافقية، تُلبي المشاغل الروسية، حيث أصبحت الفقرة العاملة الأولى من مشروع القرار، والتي كانت مثار المفاوضات لمدة 48 ساعة، تنص على: “الانخراط الفوري لضمان التنفيذ الكامل والشامل من قبل كافة الأطراف لوقف الأعمال العدائية دون إبطاء في كافة أرجاء سوريا”.
واكد الجعفري، أن ادعاء الوفود الغربية بأنها كانت تُسابق الزمن لاعتماد مشروع القرار هو ادعاء كاذب للأسباب التالية كما أوردها
1 ـ بعد مرور سبع سنوات من الحرب الإرهابية على سوريا، وإقرار دولي بأن سوريا تعاني من جرائم تنظيمي “داعش” والنصرة والتنظيمات الإرهابية الأخرى المرتبطة بهما، اضافة للإرهابيين الأجانب الذين أتوا الى سوريا من أكثر من مئة دولة، كما ذكرت تقارير الأمين العام، فإن القرار الذي طرحته الدول الغربية بصيغته الأولية، والذي من المفترض أن يتناول ما تقوم به المجموعات الإرهابية ضد مدينة دمشق، قد خلا حتى من الإشارة الى ذكر قرارات مجلس الأمن المتعلقة بمكافحة الإرهاب، وعددها 13 قراراً، من أصل 29 قراراً اعتمدها المجلس حول الوضع في سوريا منذ بداية ما اصطلح على تسميته بالأزمة السورية.
2 ـ إن الوفدين الروسي والسوري هما اللذان طلبا الدعوة لعقد اجتماع بشكل عاجل بتاريخ 22 شباط لمناقشة الوضع في الغوطة الشرقية وما يتعرض له المدنيون في مدينة دمشق من قصف يومي من قبل المجموعات الإرهابية المسلحة. (بمعنى أننا والأصدقاء الروس لم نكن نتهرب من مناقشة الوضع في الغوطة الشرقية).
3 ـ الوفد الأمريكي حاول منذ البداية (وبالطبع مع بريطانيا وفرنسا) الدفع بالتصويت على مشروع القرار بصيغته الأصلية دون القبول بأي تعديلات عليه، بهدف استفزاز امتياز الفيتو الروسي، (أي أن الهدف سياسي وليس انسانياً كما يدّعون)، ولم يتمكن من تحقيق هذا الهدف بسبب الموقف الذي تبنته الدول العشر غير دائمة العضوية، والمتمثل بالتوصل الى صيغة توافقية.
4 ـ أمضت الوفود الغربية يومين من المفاوضات مع الوفد الروسي، ومع العاصمة موسكو، حتى مع الرئيس بوتين نفسه لمحاولة تمرير مشروع القرار، حتى ولو كان من غير الممكن تطبيقه (أيضاً بهدف سياسي وليس انساني كما يدّعون)، الى أن تم التوصل الى صيغة توفيقية بتوسط من الدول العشر كما شرحنا أعلاه.
5 ـ أضاعت الوفود الغربية معظم وقت التفاوض على عبارات تُدرك مُسبقاً أنه لا يمكن تمريرها، بدلاً من ادخال تعديلات جوهرية تضمن تأمين الفاعلية اللازمة للهدنة، ووقف المجموعات الإرهابية لاستهداف مدينة دمشق
كمال خلف – راي اليوم