Site icon موقع مراسلون

المشكلة والحلول لحالات .. إدمان المواقع الإباحية !

تكثر منشورات الشكاوي حول إدمان المواقع الإباحيّة في مواقع التّواصل الاجتماعيّ وخاصّة في مجموعات المشاكل والاعترافات. ويكثر الأسلوب غير السّليم من المعقّبين على الموضوع، كالإساءة الّلفظيّة. وقد يطرح البعض حلولاً دينيّة للمشكلة كالصّوم والصلاة والزّواج، وفي الحقيقة قد لا تكون كافية لحلّ المشكلة عند البعض. عليّ توضيح أنّ مُدمن الإباحيّة ليس بالضّرورة سيّء الخُلق، وأنّ إدمان الإباحيّة قد يستمرّ حتّى بعد الزّواج، وقد يؤدي بنسبة كبيرة لمشاكل بين الزّوجين. وجب التّنويه أنّ تحديد الإدمان يكون إذا وصل الشّخص لمرحلة مشاهدة الأفلام الإباحيّة 3 – 5 مرّات في الأسبوع.

يعيش مدمن الإباحيّة في دائرة من المشاعر السّلبيّة، فهو في كلّ مرّة يحاول الإقلاع عن هذه العادة ويفشل يكون في حالة من الانتكاس، خاصّة أنّ هذه العادة قد تصاحبها عادات سلبيّة أخرى. نتيجة هذا الأمر قد يُصاب المرء بالاكتئاب، يشعر بالذّنب، وتتدنّى نظرته لنفسه، فيبدأ بالانعزال عن النّاس. أذكر قصّة سمعتها عن شاب يشهد له النّاس بأخلاقه الحسنة والتزامه الدينيّ، لكنّه ابتُلي بهذه العادة، وحين توجّه لبعض رجال الدّين كانت الرّدود سلبيّة وشكّلت لديه شعوراً بأنّه شخص منافق. كَوْن الشّاب لم يكن مُدركاً لسبب فشله في التّخلّص من هذه العادة، فضلاً على شعوره بالنّفاق، انتكس وأنهى حياته.

في مجتمع عربيّ محافظ، والأجدر بنا في هذا السّياق أن نقول أنّ النّاس – من باب الجهل – يصوّرون إدمان الإباحيّة على أنّه أمر مُخجِل ومُحرِج وعلى الشّخص أن يحتفظ به لنفسه، دون أدنى إدراك أنّ هذا الإدمان عبارة عن حالة مرضيّة يُمكن الشّفاء منها. من الجدير بالذّكر أنّ إدمان الإباحيّة هو وباء عالميّ، لكن الفرق بين المجتمع الغربيّ والمجتمع العربي هو أنّ الأوّل يُدرك المشكلة ويعترف بها. أحد التّقارير – لا أعلم مدى صحته – يدّعي أنّ 71% من الذّكور و 18% من الإناث مدمنون للمواقع الإباحيّة، وهذا إن كان صحيحاً فهي أرقام خطيرة.

أعراض هذا النّوع من الإدمان ونتائجه السّلبية اتّفق عليها العلماء أنّها لا تختلف عند المُدمنين باختلاف جنسيّاتهم. يصل المدمن لمرحلة عدم الاستمتاع بما يشاهد، لكنّه على الرّغم من ذلك يستمرّ في المشاهدة. يؤثّر هذا الإدمان بشكل سلبيّ على العلاقات الاجتماعيّة، ويكون هذا التّأثير متعلّق بمدى قوّة الإدمان. كذلك الأمر، فإنّ المُدمن قد يعاني مِن مشاكل نفسيّة كالاكتئاب والرّهاب الاجتماعيّ، فضلاً على هبوط في التّركيز، فقدان الثّقة بالنّفس، مشاكل في التّواصل مع الجنس الآخر بشكل طبيعيّ.

الأبحاث الغربيّة عديدة حول هذا الموضوع، فضلاً على ذلك أُنشئت مواقع ومنتديات إلكترونيّة تساعد في التّخلّص من هذه المشكلة، تكون فكرتها في مشاركة التّجربة الخاصّة والحديث عن تأثيرها، في محاولة تشجيع كلٌّ الآخر. من أشهر المنتديات هو منتدى ” No fap ” https://www.nofap.com/forum/index.php نبّه هذا المنتدى بالتّحديد العالمَ حول وباء عصريّ، إذ خلال شهور قليلة انضمّ آلاف الرّجال والنّساء من دول مختلفة، وبأعمار مختلفة منذ سنّ المراهقة وحتّى الخمسينات من العمر.

الحلّ لأيّ مشكلة يبدأ أوّلًا في تحديد الأسباب، لذلك علينا أن نفهم ما الّذي يحصل على مستوى المُخّ ويجعل الشّخص مهما حاول إيقاف هذه العادة أن يفشل، فينتكس، فيعيد الكرّة. مدمن الإباحيّة هو كمدمن الكوكائين والهيرويين، لكنّه قد لا يُدرك كَوْنه مدمنًا. سيكولوجيّة الإدمان باختلاف أنواعه واحدة، والأمر يعود لتغيّر في كيمياء المخّ.

مخّ الإنسان يتكوّن من خلايا، هذه الخلايا تتواصل عن طريق ما يُسمّى بالنّاقلات العصبيّة ” neurotransmitters “، بهدف التّبسيط سأسمّيها ” هرمونات “. يقوم المخ بإفراز 100 نوع من هذه الهرمونات، يُفرز الهرمون من خليّة وتستقبله ” مُستقبِلات ” خليّة أخرى. في الوضع الطّبيعيّ يقوم المُخ بإفراز هذه الهرمونات بكميّات معتدلة ومتوازنة.

أهم هذه الهرمونات هرمونان يُطلق عليهما اسم ” هرمونات السّعادة “، أوّلها هرمون اسمه ” سيراتونين ” وهو مسؤول عن تنظيم ” مزاج ” الإنسان، أي أن يكون الإنسان في حالة من الهدوء والاعتدال النّفسيّ. أمّا الهرمون الآخر فهو ” الدوبامين “، ويفرزه المخ في حالة السّعادة، كتلك الّتي تصيبنا في حالة حدوث شيء يسعدنا، أو تناول طعاماً نحبّه، حصولنا على إعجابات أكثر في الفيسبوك، الخروج مع الأصدقاء، على سبيل المثال لا الحصر.

يقوم المخ بتسجيل المواقف بتفاصيلها، بما في ذلك المواقف الّتي يتمّ فيها إفراز الدوبامين. حين يشاهد الشّخص مشاهد إباحيّة يقوم المخ بإفراز كمية كبيرة من الدوبامين، حتّى وإن كان الشّخص سيشعر بالنّدم لاحقاً، فهو سعيد في ذات اللّحظة. كلّما زادت مشاهدة هذه المشاهد، زادت كمية الدوبامين. حين تزيد نسبة الدوبامين المُفرزة عن حدّها الطّبيعي فإنّ الخلايا المُستقبِلة للدوبامين تتقلّص وتضمر، فيجد المُشاهِد نفسه غير مستمتِع كما اعتاد أن يكون، فيبدأ في البحث عن مشاهد أكثر إباحيّة، أكثر عنفاً، حتّى مشاهد الاغتصاب والعلاقات الشّاذة، لكي يستعيد نفس الشّعور الّذي اعتاده سابقاً. وهذا ما يحصل لمدمن الهيرووين والكوكائيين حين يزيد كمية الجرعة لأنّ ما سبقها لم يعُد يؤثّر فيه.

وجد العلماء أنّ إدمان المواقع الإباحيّة، كإدمان المواد المُخدّرة، يؤثّر في جزء من المخ يُسمّى ” pre-frontal cortex “، وهو مركز التّحكّم في مخ الإنسان، إذ يتحكّم بالمشاعر، الذّاكرة، حلّ المشكلات، السّلوك الجنسيّ، والسّلوك بشكل عام. لذلك يعاني مُدمن الإباحيّة من مشاكل في كلّ ما سبق.

كيمياء المخ تتغيّر عند مدمن الإباحيّة لدرجة أنّ رؤية فتاة محتشمة، أو حتّى طفلة صغيرة، قد تثيره، فيعود لمواقع الإباحيّة. وفي حالة تعرّضه لضغط، إحباط، أو هبوط في مزاجه العام، فمن المُحتمل جدًّا أن يلجأ لمواقع الإباحيّة بحثاً عن بعض ” السّعادة “. ومع ارتفاع شدّة الإدمان، يتحوّل الشّخص لإنسان غير سويّ ومختل عقليّاً بنسبة معيّنة، وقد يمارس ” الفنتازيا ” الّتي يرسمها في خياله، على أرض الواقع، ولا يرى أنّ الاغتصاب أو التّحرّش عبارة عن تصرّف مشين وسيّء.
أوّل خطوات العلاج أن يعترف الشّخص أنّه يعاني من مشكلة ويكون على استعداد تلقّي العلاج.

وقد صنّفت ” رويترز ” في تقرير لها أكثر العواصم غير الآمنة بالنّسبة للمرأة في العالم وأعلاها في نسبة التّحرّش، وكانت كلّ من القاهرة وديلهي من ضمن المراكز الأولى، ويصدف أنّ هذه العواصم كانت من ضمن الأعلى في نسبة مشاهدة المواقع الجنسيّة، ولا أظنّها مجرّد صدفة، بل هنالك علاقة قويّة بين الأمرين.

لماذا يجب التّخلّص من هذه العادة ؟
لن أتطرّق للموضوع بشكل دينيّ، لأنّ هذا حسب رأيي أمر مفروغ منه، ممارسة هذه العادة تقلّل من استمتاع الشّخص بأمور الحياة العاديّة، وتنحصر متعته في هذه العادة، لذلك نجد من يتعافى من الإدمان بعد شهر يستعيد استمتاعه بأشياء بسيطة وتُلفت انتباهه جوانب جميلة في الحياة. فضلاً على استعادة حياته العمليّة والدّراسيّة، زيادة الثّقة بالنّفس، ارتفاع التّركيز وخاصّة التّركيز على ما هو مفيد.

قرأت أكثر من 300 قصّة تعافي، وأجمع أصحابها على أنّ الحياة تغيّرت تماماً للإيجاب. وقال بعضهم أنّ الأمراض النّفسيّة مثل الاكتئاب والرّهاب الاجتماعيّ اختفت بشكلٍ كُليّ بعد سنين طويلة من تناول أدوية مضادة لهذه الأمراض.

لكي أؤكّد فكرة مدى تغيّر المخ، مدمن المواقع الإباحيّة تتطوّر لديه بعض الأمراض النفسيّة وقد يكون غير مدرك لذلك. من ضمن هذه الاضطرابات اضطراب الهويّة الجنسيّة ” Homosexual Obsessive Compulsive Disorder -HOCD “. أساس تطوّر هذا الاضطراب قد يكون سببه أنّ كميّة الدوبامين المُفرزة في وقت المشاهدة غير كافية، لذلك يلجأ الشّخص لمشاهدة أمور أكثر انحرافاً كمشاهد الشّواذ جنسيّاً، فيسقط المُشاهد في تساؤلات مثل ” هل أنا سويّ جنسيًّا ؟ “، أي بكلمات أخرى تتشوّه لديه الهويّة الجنسيّة كغيرها من الأشياء المشوّهة في حياته.

خطوات وحلول عمليّة تساعد في الشفاء من الإدمان:

راقب نفسك: المراقبة هدفها أن تكتشف ما هو الشّيء، الشّعور، الفعل، الّذي يدفعك لمشاهدة الإباحيّة. أهو مثلاً إحباط، تراجع في الدّراسة، كلام مزعج، أو غيره. هنالك نظريّة في علم النّفس تسمّى ” fight or flight “، تنصّ على أنّ الإنسان يلجأ لعادة ما هرباً من مشكلة معيّنة. لذلك، تحديد ما هو الشيء الّذي تهرب منه ويجعلك تلجأ لمواقع الإباحيّة، ومواجهتها وحلّها، سيساعد في التّخلّص من الإدمان.

أزِل الأفلام والصّور الموجودة في جهازك.
قم بتحميل برامج لتصفيّة (فلترة) مواقع الإباحية. نصح روّاد منتدى NO FAP ببرنامج مجانيّ اسمه K9. يمكنك تحميله والاشتراك بواسطة بريد إلكتروني (إيميل) وستحصل على رخصة الاستخدام. ونصح المستخدمون أن تقوم باختيار رقم سريّ (باسوورد) بشكل عشوائيّ وإعطائه لشخص تثق به.
فكرة البرنامج هو أنّه بإمكانك حظر أي موقع غير مرغوب به، حظر كلمات بحث معيّنة، ويمكنك أن تضيف كلمات خاصّة بك يفكّر بها عقلك في لحظة ضعف ما.
عيب هذا البرنامج أنّه قد يحظر بعض المواقع على الرّغم من أنّها عاديّة، لكنّه يقوم بحظرها كونها مُخصّصة للكبار. لذلك عليك أن تقوم بشكل يدويّ بإزالة هذه المواقع من قائمة الحظر.
قم بوضع تقويم سنويّ في غرفتك، وضع علامة باللّون الأخضر في كلّ يوم لم تمارس فيه هذه العادة، وعلامة باللّون الأحمر لكلّ يوم انتكست فيه. هذا من شأنه تشجيعك والحفاظ على معنويات مرتفعة.

http://www1.k9webprotection.com/

الاقتراب من الروحانيات عبارة عن وسيلة مفيدة جدّاً في إصلاح النّفس. وهذا يخصّ كلّ الأديان على حد سواء. وإن كنت ” ملحد أو لادينيّ” فيمكنك القراءة عن ” mindfulness ” و تعطي نفس النتيجة. أثبتت الدّراسات أنّ التّواصل الرّوحي شيء مهمّ للتعافي من أيّ إدمان.

املأ وقت فراغك. لو كنت من روّاد النادي الرّياضي لساعة فاجعلها ثلاثة ساعات، خصّص وقتاً للعمل وللدراسة بشكل أكبر. كُن محاطاً بالنّاس والأصدقاء والعائلة لأكثر وقت ممكن، لأنّ البقاء وحيداً سيجعلك بشكل أو بآخر أكثر عرضة لممارسة كلّ ما هو سيّء كالإدمان. قُم بهذا البرنامج في الشّهر الأوّل حتّى تعتاد عليه ويصبح نمط حياة.

يقول علماء النّفس أنّ أي تغيير في سلوكيّات الإنسان يمرّ في 6 مراحل. لذلك وجب تنويه رجال الدّين أن لا يقولوا للمخطِئ ” يجب التّوقف مباشرة وفوراً “، لأنّ التّغيير يحتاج فترة وليس لحظات. سأذكر المراحل الستّة، فانظر في أيّها أنت وابدأ في التغيير والانتقال للخطوة التّالية:

مرحلة عدم الإدراك Precontemplation:
لا يُدرك الشّخص تأثير العادة السيّئة على حياته، ويكون تركيزه على أنّها مصدر للمتعة لا غير. قد يسمع حديثاً عن سيّئات الموضوع لكنّه مع ذلك يستمرّ فيما يقوم به، ويُقنع نفسه بحُجج وأسباب لفعله، مثل عدم القدرة على الزّواج. يكون مُدركاً داخليّاً لخطأه لكنّه لا يتّخذ خطوات عمليّة للإقلاع عن العادة.

مرحلة الإدراك Contemplation:
يبدأ الشّخص بالتّفكير الجدّي في اتخاذ خطوة: سأتوقف عن مشاهدة هذه المشاهد، سآكل طعاماً صحيّاً، سأذهب للنادي، إلى آخره. لكنّ الفكرة تبقى فكرة ولا تخرج لحيّز التّنفيذ. ويحتاج لدافع معنويّ واقتناع شديد بأنّ هذه العادة مضرّة حتّى يبدأ بالتّغيير.

مرحلة الحسم Determination:
يتّخذ الإنسان قراراً بالتّخلص من هذه العادة، ويبدأ في اتخاذ خطوات عمليّة: مسح الصّور والمواقع، تسجيل في النّادي الرياضي …

مرحلة التّنفيذ Action:
الشّخص ينفّذ: لا يشاهد مشاهد إباحيّة، يلتزم التمارين الرّياضيّة …

مرحلة الاستمرارية Maintenance:
يستمرّ الشّخص في الخطوات العمليّة.

مرحلة الانتكاس RELAPSE:
وهي مرحلة طبيعيّة جدًّا في أي تغيير، تماماً كما قد يحصل من يريد التّخلص من الوزن الزائد، يضعف فجأة أمام طعام غير صحيّ. من الطّبيعي أن يضعف الإنسان فيشاهد بضعة مشاهد إباحيّة، لكن من الخطأ التّفكير أنّه قد فشل في التّعافي ويستسلم. على الشّخص أن يستغلّ هذا الضّعف ليعود أقوى ممّا سبق.

من المهم قول أنّ الفترة الأولى من التّعافي، والّتي قد تستمر من 20 يوم حتّى 6 شهور، تعتمد على مدى قوّة الإدمان. ستظهر أعراض الانسحاب، والّتي تظهر عند مدمن المواد المخدّرة كذلك الأمر. في هذه الفترة يحاول المخ أن يرجع لطبيعته. الأعراض الّتي قد تظهر: إحساس بالضّغط والخوف، قلّة النّوم، ضعف عام في الجسد، الإحساس بشهوة جنسيّة شديدة، صداع، وإن كان يعاني من مرض نفسيّ فقد تشتدّ أعراض هذا المرض، إحساس بالإحباط، هبوط في المزاج، استرجاع ذهنيّ للأفلام والصّور والمشاهد الجنسيّة( سواء في النّوم أو الصّحوة)، قلّة التّركيز.
هذه الأعراض قد تستمرّ لشهر، وبعد ذلك تتحسّن الأمور، وهذا ما أجمع عليه المتعافون من الإدمان.

المصدر : موقع فضول

Exit mobile version